بسم الله الرحمن الرحيم
لكم اليوم هذا الموضوع الهام
الأشهر السريانية ( أو الرومية )
( ويسميها بعضهم الأشهر المسيحية )
وهي: كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان، أيار، حزيران، تموز، آب، أيلول، تشرين الأول وتشرين الثاني، وكانون الأول.
وإذا استثنينا شهري كانون وحزيران نجد أن الباقي من هذه الأسماء يتفق وأسماء الأشهر البابلية، مما يدل على أن الشعوب الآرامية في سوريا القديمة اقتبستها عن جيرانها في الشرق.
1 – تشرين الأول والثاني:
في السريانية: تشري، أي قديم، وتشري حراي أي تشرين السابق واللاحق. ويرد في السريانية كذلك بالنون في آخره، كما هو في العربية: تشرين.
ولم يرد هذا الشهر بلفظه في التوراة إنما ورد في المشنا .
وفي البابلية لفظة مشابهة لهذا اللفظ وهي تشريتوم وترد هذه اللفظة إلى جذر سامي مشترك.
في البابلية شرو، وفي الآرامية شرا وفي العربية شرع.
ومعنى الجذر البدء والشروع.
لأن هذا الشهر كان أول شهور السنة السريانية.
وكان عند البابلين نوعان من السنة: سنة دينية تبدأ في نيسان، وسنة شعبية أو حكومية، أو مدنية، تبدأ في تشرين.
وقد جاراهم بعدهم من أخذ عنهم كالعبران.
فقد كان لهم كذلك سنتان، سنة دينية تبدأ في نيسان وسنة مدنية مالية تبدأ في تشرين.
وكان السلوقيون يبدأون سنتهم بنيسان، والأرساسيون بتشرين الأول. وأن تبدأ السنة في تشرين أمر طبيعي يتمشى وحياة الناس الزراعية. ففي تشرين يكون الفلاح قد جمع المحصول، وباع، وجمع شيئا من النقود. وفي هذه الفترة يسدد ديونه، ويدخر غذاء للشتاء.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يشعر الفلاح أن سنته قد انتهت في مثل هذا الفصل، وآن له أن يبدأ من جديد،
أولاً: ليستعد لفصل الشتاء، وهو فصل ركون واستكانة،
وثانياً: ليستعد لأعمال الربيع.
أما السنة الدينية التي تبدأ في نيسان فكانت تتمشى مع الطبيعة، ففي أول نيسان تعود الحياة إلى الأرض، وفي مثل هذا الفصل يبدأ الإنسان أعماله الزراعية التي تحتاج إلى عناية الآلهة، ورحمتها .
2 – كانون الأول والثاني:
لم يرد هذا الشهر بهذا اللفظ لا في البابلية، ولا في التوراة، بل ذُكر فيها ما يقابله وهو شهر طبت في سفر أستير 2 : 16، وكذلك في النقوش النبطية والتدمرية، ويفيد الغرق والغرز في الأرض، ربما لكثرة الوحل، ورخاوة الأتربة فيه.
وقد ورد ذكر هذا الشهر في البابلية على أنه: شهر الغرق وشهر المطر.
وكرَّسوه للإله بيسوكال، رسول آنو وعشتروت. وأما اسمه السومري فهو itu – ab – ba – ud – da – ومعناه شهر هطول الأمطار.
وقد اختلفوا في تفسير كلمة كانون. فقالوا لفظة بابلية معناها الشتاء، وقالوا لفظة تعني الموقد.
والكانون هو الإناء الذي يوضع فيه الجمر للتدفئة أو للطبخ. وفي السريانية جذر يفيد معنى الأساس والقاعدة.
وقد يكون الاسم مشتقاً من جذر سامي مشترك هو جذر ” كن “، والمعنى الأولي لهذا الجذر ” القاعدة والأساس والثبوت والإستقرار “،
فكأنهم راوا أن هذا الشهر هو القاعدة، أو الأساس في فصل الشتاء، لأن معظم هطول الأمطار يقع في هذا الشهر.
يؤيد هذا قول اللبنانين إن كانون ” فحل الشتاء “، فهو يلقح الأرض، وإذا حدث وقلت الأمطار في هذين الشهرين فإن الفلاحين لا يستبشرون بهما خيرا.
ويمكن أن تكون تسمية الشهر جاءت من الكن والاستقرار والثبوت في البيت، لأنه شهر انقطاع عن الأعمال الزراعية.
وأمثلة اللبنانيين تشير إلى هذا فيقولون: ” بكانون كن ببيتك جوات ملحك وزيتك” ويقولون: ” في كانون الصم كن ببيتك واحتم “، أي تدفأ .
3 – شباط:
وورد بلفظ إشباط. وسباط.
وهو في السريانية من جذر شبط، ويفيد الضرب والجلد والسوط. وهذا المعنى لا يزال قائما في لفظة شبط في عامية لبنان، فيقولون شبطه، أي ضربه وشبط السجادة ضربها لنفض الغبار عنها.
وفي السريانية يعني هبوب أي هبت الريح هبوبا شديدا. ويقال إن هذا هو وجه تسمية الشهر بهذا اللفظ، أي من هبوب العواصف.
وقد ورد ذكر هذا الشهر في العبرية في سفر زكريا 1 : 7 بمعنى العصا والغصن. ورد ذكر هذا الشهر كذلك في النقوش النبطية والتدمرية. ولا شك أن أصل التسمية يعود إلى البابلية، بلفظ sah – ba – tu وكرَّسوه للإله رمان، إله العاصفة والزوبعة والرعد.
وهو إله معروف عند جميع الشعوب السامية. ويرد كثيرا في كتاباتهم وأساطيرهم الدينية. ويسمي البابليون هذا الشهر أحيانا عيد الإله رمان. وتعود تسميته بهذا اللفظ إلى فكرة الضرب والبطش والتخريب. ولفظة shibtu في البابلية معناها العصا والصولجان والضربة.
كان عدد أيام هذا الشهر 29 و.30 في السنة الكبيسة.
ولكن مجلس الشيوخ الروماني القديم عندما قرر تسمية شهر تموز باسم قيصرهم يوليوس، أخذ من شهر شباط يوما أضافه إلى شهر يوليوس لكي لا يقل عددا عن شهر القيصر أغسطس ( آب ).
ولأن عدد أيامه قليلة، ولأنه في الأساطير عدو العجائز، فإنه، حسب أقاصيص العامة، يقترض من آذار بعض أيام تسميها العامة بالمستقرضات، لكي تطول أيام العواصف والثلوج فيه، فيقضي على بقية العجائز والطاعنين في السن!!.
ولهذه الأسطورة مثيل عند كثير من الشعوب.
وقد عرف العرب هذه الأيام الباردة بأيام العجوز ( أو برد العجوز ) وهى: صن وصنبر ووبر وامر ومؤتمر ومعلل ومطفى الجمر .
4 – آذار:
ويقال أذار، وهو اسم سرياني الأصل، وله مقابل في لغة إيران القديمة: البهلوية، adharu، فهو إله النار في أساطيرهم.
وورود هذا الشهر بهذا اللفظ عينه في لغة إيران دعا جماعة من المؤرخين إلى القول بأن أسماء الأشهر السريانية والعبرانية مأخوذة عن لغة إيران. أما أصل التسمية فبابلي. وكان شهرا مقدسا كرَّسوه للإله أشور أبي الآلهة.
ذلك لأن هذا الشهر سابقا كان شهرا يتشاءمون منه وكانوا يسمونه شهر السبعة، ( الأرواح الشريرة السبعة ) التي كانوا يقيمون الصلاة لطردها.
ولكن تيمنا جعلوا الشهر شهر الإله أشور أقوى الالهة، واختلفوا في وجه التسمية: هل الجذر ” هدر ” أو ” أدر ” أو ” عدر “.
ولعل الكلمة مشتقة من جذر” هدر ” ومعناه الصوت والصخب، وذلك نسبة لما يقع فيه من عواصف ربيعية شديدة الريح، كثيرة البروق والرعد. والعامة تسميه آذار الدار .
5 – نيسان:
وهو في السريانية يعني عشب أو خضرة ربيعية. وكان يعرف في العبرية بهذا الاسم.
ولكن بعدما رجع العبران من سبي بابل غيروا اسم الشهر نيسان إلى أبيب، ولفظة أبيب معناها الزهر ( ويقابلها في العربية أب ) وقيل السنابل، وقيل الربيع.
وبهذا اللفظ سمى اليهود عاصمتهم الحالية ” تل أبيب ” تيمنا لأنهم أقاموها على رمال قاحلة جرداء شمالي يافا، فكأنهم كانوا يحلمون بجعل المنطقة منطقة ربيع وزهر.
وقد ورد ذكر هذا الشهر كذلك في النقوش التدمرية.
وله مقابل في لغة إيران القديمة، البهلوية: ( ني آسان ) أي اليوم الجديد، لأنه كان رأس السنة.
وورود هذين الشهرين آذار ونيسان في لغة إيران دعا كثيرين للأخذ بالرأي القائل إن أسماء هذه الأشهر مقتبسة عن الإيرانية القديمة.
ولكن يبدو أن هذا من قبيل التوافق.
أما أصل التسمية فبابلي: ومعناه البدء والتحرك والشروع في الأمر، فتكون لاحقة كاللاحقة في عطشان وسلمان.
وهذا الجذر سامي مشترك، فهو في العبرية معناه تحرك وبدأ، وفي العربية نزع، نسع، نسغ، نسأ. أما وجه التسمية فلأنه كان بدء السنة الدينية المقدسة. في هذا الشهر تعود الحياة بروعتها إلى الطبيعة، وذلك بتغلبها على عوامل الموت والإخلال في فصل الشتاء.
أما اسمه السومري فمعناه شهر المعبد، أو المزار المقدس، أو شهر قدس أقداس الهيكل.
وقد ترجمه الساميون أولا إلى الشهر العظيم، ثم عادوا فسموه نيسان، أي شهر البدء. وكان يبدأ، حسب التقويم الحالي، في 21 آذار، أي يوم وقوع الاعتدال الربيعي .
6 – أيار:
ويسمونه نوار من النور، وهو الزهر، أو من النور نفسه.
وهو في السريانية ولم يرد في أسفار التوراة، إنما ورد في المشنا وفي التلمود.
أما أصل التسمية فبابلي: وهناك احتمالان في اشتقاق اللفظة، فقد تكون من أور كما هي في العبرية ومعناها النور والضياء ( ويقابلها أوار )، وقد تعني التفتح والإزهار، ومنها آرو البابلية، ومعناها الزهر.
وفي العربية أير وأيار الهواء الحار، أو ريح الشمال، أو الصبا.
وقد رأينا عند الكلام عن ” أبريل ” أن الكلمة مشتقة من جذر يفيد التفتح والتبرعم.
فمن هذا يتضح أن وجه التسمية يقوم إما على فكرة الحر أو النور، أو التفتح والزهر. ولعل الأرجح أن يكون الأخذ بفكرة الحر لأن التفتح في العراق يسبق هذا الشهر، لكن الحر يقع فيه. أما اسمه السومري معناه شهر الثور المقدس.
وهو الثور الذي يقف على رجليه الخلفيتين كما يظهر في الرسوم الأسطورية البابلية على معابدهم وأبنيتهم العامة.
وذلك لأن هذا الشهر يقع في برج الثور .
7 – حزيران:
وهو في السريانية ومعناه الحنطة، ذلك لأن موسم حصاد الحنطة يقع في هذا الشهر.
والتسمية أرامية، لأنه لم يرد في البابلية، ولا في الأشهر العبرية.
يؤيد هذا قول البيروني : ” في اليوم الأول ( من حزيران ) عيد السنابل وهو أنهم ( أي السريان النصارى ) يجيئون بالسنابل من زرع الحنطة فيقرأون عليها، ويدعون بالبركة فيها. وفيه ذكر أن يحيى بن زكريا يتوسلون بذكره إلى الله تعالى في أمر الحنطة، ويقيمون هذا اليوم مقام العنصرة لليهود “.
أما في البابلية فيقابله شهر si – ma ( n ) nu أو si – va – nu وعنهم أخذه العبرانيون البابليون.
وقد ورد في أحد الأسفار.
وقد اختلفوا في اشتقاق لفظة سيوان. فمنهم من يرجعها إلى جذر ( سيم ) أي عين ورسم لأنهم في هذا الشهر كانوا يعينون وقت صناعة الطوب اللبن.
ومنهم من يشتقها من جذر ” وسم ” لأنهم في هذا الشهر كانوا يسمون الحيوانات إما بالكي أو الصباغة. ومنهم من يرجعها إلى لفظة قديمة ( ترد في الأرامية ) سين أو سيان ومعناها الطين، يؤيد هذا اسم الشهر في السومرية ومعناه عيد صنع اللبِن.
وصنع اللبِن كان موسما مهما لأن البناء في العراق الأوسط والأسفل كان من اللبِن فقط لعدم توفر الحجر، وصنع اللبِن يتطلب تعاونا تشترك فيه الجماعات.
ويتحول العمل على مر الزمن إلى عيد، أو موسم يرافقه مراسيم وطقوس .
8 – تموز:
وهو في السريانية، ورد ذكره في سفر حزقيال 8 : 14 “… وإذا هناك نسوة جالسات يبكين على تموز. “
واسم هذا الشهر بابلي، وكان شهرا يكرس للإله نن إب أي شمس الربيع.
ويعرف هذا الشهر أيضا باسم سامي صرف، أي الباب المفتوح. ولا شك أن الاسم البابلي سومري الأصل ومعنى الاسم ” ابن الحياة “. ومنهم من فسر الاسم بأنه ” الابن الوحيد ” ، أو ” الابن البار “، أو “الابن الذي يقوم أو يبعث”، ويتضح وجه التسمية إذا نحن تذكرنا أن أسطورة هذا الإله، وطقوس عبادته التى نشأت عند السومريين جميعها تشير إلى موت إله، وقيامه من الموت بعد زمن، كما سنرى.
ثم أخذها البابليون عنهم، فسكان سوريا، ومنهم انتقلت إلى مصر، وقبرص، وكريت، وبلاد اليونان. وفي تنقل هذا الإله من بلاد إلى أخرى، كان اسمه يتغير، بينما ظل جوهر عبادته واحدا: إله يموت ليقوم من الموت منتصرا على الموت.
وفكرة موت الإله ليقوم في اليوم التالي أو الثالث فكرة لاقت قبولا عند جميع شعوب العالم القديم، فكان هذا الإله يسمى عند السومرين دموزي، وعند البابليين تموز، وعند الفينيقين أدونيس، وعند الحيثين اتس، وعند المصريين أوزيريس، وعند الفرس ميثرا الذي نافست عبادته المسيحية زمنا طويلا، وفي العالم الإسكندنافي بلدر.
وملخص أسطورة تموز أنه كان عندهم إلها يموت فتقام له مناحة عظيمة كانت الندابة تكرر فيها ” آه يا أخي الوحيد ” فترد عليها النائحات: وي لنو ( أي ويل لنا )، وبعد أيام كان يقوم من الموت، فتقام له أعياد الفرح. وموت تموز يرمز إلى موت الطبيعة.
ويجب الإشارة إلى أن شهر البكاء على هذا الإله كان يختلف عند مختلف الأمم التي اقتبست عبادته، ففي بابل كانت المناحة تقام في أيلول ( = ولول ).
أما في فينيقيا فكانت أعياد تموز، البكاء عليه والفرح بقيامته، تقع في أوائل الربيع عندما كان نهر إبراهيم يسيل ماء أحمر بسبب مطر الربيع الذي كان يجرف التربة الحمراء عند بدء الغرس. فكانوا يتخيلون في احمرار الماء دماء أدونيس الذي قتله حيوان بري وهو يتصيد في غابات لبنان. وعندما سارت عشيقته وزوجته عشتروت ( أفروديت ) تفتش عنه تخدش جسمها من الأشواك فسال وظهر في الشقائق الحمراء التي يسمونها شقائق النعمان أي جروح النعمان، والنعمان صفة من صفات أدونيس.
هذه الطقوس الدي نية التي عمت جميع أقطار الشرق القديم منشؤها بلاد بابل، العراق القديم. وأدونيس فينيقيا ليس سوى تموز، ولكن لم يعرف هنا بتموز، بل بلقب من ألقابه أي أدون، وأدون معناها السيد والرب والمولى لكن الإغريق عندما نقلوا الاسم إلى لغتهم لحقته سين فصار أدونيس .
9 – آب:
ويقال أب، وهو في السريانية ولم يرد في أسفار التوراة، بل ورد في المشنا ، وأصل التسمية بابلي، وعنهم أخذ العبران الوارد ذكره في سفر الخروج 13: 4، ومعناه شهر السنابل.
وبعد السبي أصبح هذا الشهر شهر نيسان، وأصبحت الكلمة مرادفة للربيع والخضرة.
وقد اختلفوا في اشتقاق الاسم. فمنهم من يشتقه من اللفظة البابلية ومعناها العداء.
سمي هكذا لشدة حرارته، أو لأنه عدو الأرض، فيحرق ما عليها من خضرة وهو إله النار عندهم.
يؤيد هذا اسم الشهر في السومرية: أي الشهر الذي تكثر فيه النيران، ومنهم من يشتق الاسم من (abe ) ومعناها القصب والبردى.
ذلك لأنهم كانوا، في هذا الشهر، يقصون القصب، ويستعملونه في البناء.
ومعلوم أن شهري آب وأيلول كانا شهري بناء، كما كان شهر حزيران شهر صنع اللبِن.
وقد يكون الاسم مشتقاً من جذر سامي مشترك، وفي العربية الأب وهو النبت والكلأ، وحزيران في السريانية يعني الغلال والمواسم والثمر الناضج.
وشهر آب هو شهر جمع الغلال على أصنافها، الحبوب والثمار.
10 – أيلول:
وهو في السريانية وفي العبرية.
وأصل التسمية بابلي ( ululu، ) ويقابله في العربية ول، أو هل، بمعنى الصراخ والعويل فـ ( ولول ) في العربية مأخوذ من الويل.
ووجه التسمية أن في هذا الشهر كانت تقام فيه المناحات على تموز