بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أَوَّلَا : الْغُسْل لِلْعَائِن وَبَعْض الْمَسَائِل الْمُتَعَلِّقَة بِه : جَاءَت الْأَدِلَّة الْنَّقْلِيَّة الْصَّرِيْحَة تُؤَكِّد عَلَى أَن غُسْل الْعَائِن يَنْفَع بِإِذْن الْلَّه عَز وَجَل بِكُنْه وَكَيْفِيَّة لَا يَعْلَمُهَا إِلَا الَلّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0
فَقَد ثَبَت مِن حَدِيْث أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف – رَضِي الْلَّه عَنْه – قَال : ( مَر عَامِر بْن رَبِيْعَة بِسَهْل بْن حُنَيْف وَهُو يَغْتَسِل ، فَقَال : لَم أَر كَالْيَوْم ، وَلَا جِلْد مُخَبَّأَة 0 فَمَا لَبِث أَن لُبِط بِه 0 فَأَتَى بِه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَقِيْل لَه : أَدْرَك سَهْلَا صَرِيْعا قَال : ( مِن تَتَّهِمُون بِه ؟ ) قَالُوْا عَامِر بْن رَبِيْعَة 0 قَال : ( عَلَام يَقْتُل أَحَدُكُم أَخَاه ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن أَخِيْه مَا يُعْجِبُه ، فَلْيَدْع لَه بِالْبَرَكَة ) ثُم دَعَا بِمَاء 0 فَأَمَر عَامِرا أَن يَتَوَضَّأ 0 فَغَسَل وَجْهَه وَيَدَيْه إِلَى الْمِرْفَقَيْن 0 وَرُكْبَتَيْه وَدَاخِلَه إِزَارِه 0 وَأَمَرَه أَن يَصُب عَلَيْه 0 قَال سُفْيَان : قَال مَعْمَر عَن الْزُّهْرِي : وَأَمَرَه أَن يَكْفَأ الْإِنَاء مِن خَلْفِه ) ( صَحِيْح الْجَامِع – 556 ) 0
قَال الْمُنَاوِي ” إِذَا رَأَى ” أَي عِلْم ” أَحَدُكُم مِن نَفْسِه أَو مَالِه أَو مِن أَخِيْه ” مِن الْنَّسَب أَو الْإِسْلَام ” مَا يُعْجِبُه ” أَي مَا يَسْتَحْسِنُه وَيَرْضَاه مِن أَعْجَبَه الْشَّيْء رَضِيَه ” فَلْيَدْع لَه بِالْبَرَكَة ” نَدْبا بِأَن يَقُوْل الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه وَيُنْدَب أَن يَقُوْل مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ، وَلَا شُبْهَة فِي تَأْثِيْر الْعَيْن فِي الْنُّفُوْس فَضْلَا عَن الْأَمْوَال وَذَلِك لِأَن بَعْض الْنُّفُوْس الْإِنْسَانِيَّة
يُثَبِّت لَهَا قُوَّة هِي مَبْدَأ الْأَفْعَال الْغَرِيْبَة ) ( فَيْض الْقَدِير – 1 / 351 ) 0
ثَانِيَا : الْرُّقَى وَالتَّعَاوِيْذ : إِن الْرُّقَى وَالتَّعَاوِيْذ مِن أَعْظَم مَا يَقِي وَيُزِيْل الْعَيْن قَبِل وَبَعْد وُقُوْعِهَا بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَهُنَاك بَعْض الْآَيَات أَو السُّوَر الَّتِي ثَبَت نَفْعُهَا فِي الرُّقْيَة بِشَكْل عَام ، وَكَذَلِك ثَبَت وَقْعِهَا وَتَأَثِيْرْهَا فِي عِلَاج الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَقَد تَم ذِكْر ذَلِك مُفَصَّلَا فِي الْصَّفْحَة الْرَّئِيْسِيَّة لِلْمَوْقِع ، تَحْت عُنْوَان ( كَيْف تَقِي وَتُعَالِج نَفْسَك بِالْرُقْيَة الْشَّرْعِيَّة ؟؟؟ ) 0
ثَالِثا : الْوُضُوْء : وَيُسَن لِعِلاج الْعَيْن أَن يُؤْمَر الْعَائِن فَيَتَوَضَّأ ثُم يَغْتَسِل مِنْه الْمَعِين ، لِمَا ثَبَت مِن حَدِيْث عَائِشَة – رَضِي الْلَّه عَنْهَا – أَنَّهَا قَالَت : ( كَان يُؤْمَر الْعَائِن ، فَيَتَوَضَّأ ، ثُم يَغْتَسِل مِنْه الْمَعِين ) ( صَحِيْح أَبُو دَاوُوْد – 3286 ) 0
قَال مُحَمَّد بْن مُفْلِح تَّعْقِيْبا عَلَى هَذَا الْحَدِيْث وَهَذَا مِن الّطَّب الْشَّرْعِي الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُوْل عِنْد أَهْل الْإِيْمَان 0 وَقَد تَكَلَّم بَعْضُهُم فِي حِكْمَة ذَلِك ، وَمَعْلُوْم أَن ثَم خَوَاص اسْتَأْثَر الْلَّه بِعِلْمِهَا فَلَا يَبْعُد مِثْل هَذَا وَلَا يُعَارِضُه شَيْء ، وَلَا يَنْفَع مِثْل هَذَا إِلَا مَن أَخَذَه بِالْقَبُوْل وَاعْتِقَاد حُسْن ، لَا مَع شَك وَتَجْرِبَة ) ( الْآدَاب الْشَّرْعِيَّة – 3 / 58 ) 0
وَرَوَّى مَالِك – رَحِمَه الْلَّه – أَيَضَا عَن مُحَمَّد بْن أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل ، عَن أَبِيْه حَدِيْث الْغُسْل آَنَف الْذِّكْر ، وَقَال فِيْه : ( إِن الْعَيْن حَق ، تَوَضَّأ لَه ، فَتَوَضَّأ لَه ) ( صَحِيْح ابْن مَاجَة – 2828 )
قَال الْقُرْطُبِي أَمْر صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فِي حَدِيْث أَبِي أُمَامَة الْعَائِن بِالِاغْتِسَال لِلْمَعِين ، وَأْمُر هُنَا بِالِاسْتِرْقَاء ، قَال عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا يُسْتَرْقَى مِن الْعَيْن إِذَا لَم يُعْرَف الْعَائِن ، وَأَمَّا إِذَا عُرِف الَّذِي أَصَابَه بِعَيْنِه فَإِنَّه يُؤْمَر بِالْوُضُوء عَلَى حَدِيْث أَبِي إِمَامَة ، وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْجَامِع لَأَحْكَام الْقُرْآَن – 9 / 226 ) 0
رَابِعا : الْدُّعَاء بِالْبَرَكَة : يُسَن إِذَا رَأَى أَحَد مِن أَخِيْه مَا يُعْجِبُه أَن يَدَع لَه بِالْبَرَكَة 0
قَال الْنَّوَوِي – رَحِمَه الْلَّه – وَيُسْتَحَب لِلْعَائِن أَن يَدْعُو لِلْمَعِين بِالْبَرَكَة فَيَقُوْل :” الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه ” ، وَأَن يَقُوْل : ” مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ” ) ( رَوْضَة الْطَّالِبِيْن – 7 / 200 ) 0
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه – وَإِذَا كَان الْعَائِن يَخْشَى ضَرَر عَيْنِه وَإِصَابَتِهَا لِلْمَعِين ، فَلْيَدْفَع شَرِّهَا بِقَوْلِه : الْلَّهُم بَارِك عَلَيْه كَمَا قَال الْنَّبِي e لِعَامِر بْن رَبِّيَعَه لِمَا عَان سَهْل بْن حُنَيْف : ” أَلَّا بَرَكَت ” أَي : قُلْت : الْلَّهُم بَارِك عَلَيْه ) ( زَاد الْمَعَاد – 4 / 170 ) 0
قَال الْدَّمِيْرِي وَيُنْدَب لِلْعَائِن أَن يَدْعُو لَه بِالْبَرَكَة – يَعْنِي لِلْمَعِين – فَيَقُوْل : الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه ) ( حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى – 1 / 255 ) 0
يَقُوْل الْشَّيْخ عَبْدُاللَّه بِن عَبْدَالَرّحْمَن الْجُبَّريّن – حَفِظَه الْلَّه – عَن دَلِيْل الْدُّعَاء بِالْبَرَكَة أَمَّا الْتَّبْرِيك فَقَد وَرَد فِي عِدَّة أَحَادِيْث “هَلْا بَرَكَت عَلَيْه” فَمَن خَاف أَن يُصِيُب شَيْئا فَلْيَذْكُر الْلَّه وَلْيَدْع بِالْبَرَكَة حَتَّى لَا يُصَاب الْمَعِيْن ، وَلَا شَك أَن ذِكْر الْلَّه تَعَالَى سَبَب لِلْبَرَكَة وَكَثْرَة الْخَيْر ، وَزَّوَال الْنِّقَم ، وَحُلُوْل الْنِّعَم ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 196 ) 0
خَامِسَا : الْتَّكْبِير ثَلَاثا : وَمِمَّا يَنْفَع فِي عِلَاج الْعَيْن قِيَام الْمَعِيْن بِالتَّكْبِيْر ثَلَاثَا فَإِن ذَلِك يَرُد الْعَيْن بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0
قَال الْشَّيْخ مُحَمَّد الْأَمِيْن الْمُخْتَار الْشِّنْقِيْطِي وَفِي بَعْض الرِّوَايَات لِغَيْر مَالِك : هَلْا كَبُرَت ، أَي يَقُوْل : الْلَّه أَكْبَر ثَلَاثا ، فَإِن ذَلِك يَرُد عَيْن الْعَائِن 0
وَقَال أَيْضا : وَكَذَلِك مَن اتَّهَم أَحَدا بِالْعَيْن 0 فَلْيُكَبِّر ثَلَاثا عِنْد تَخَوُّفَه مِنْه 0 فَإِن الْلَّه يَدْفَع الْعَيْن بِذَلِك وَالْحَمْد لِلَّه ) ( أَضْوَاء الْبَيَان – 650 ، 651 ، 653 ) 0
قَال الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم – رَحِمَه الْلَّه – : ( وَيُقَال إِن الْشَّخَص الَّذِي يُخَاف عَلَى نَفْسِه أَو مَالِه مِن عَيْن إِنْسَان أَن يَقُوْل هُو عَلَى نَفْسِه مَا شَاء الْلَّه تَبَارَك الْلَّه ، يَرْفَع بِهَا صَوْتَه يُسْمِع الشَّخْص الَّذِي خَاف مِنْه أَو يُكَبِّر عَلَى نَفْسِه أَو مَالِه قَائِلا : الْلَّه أَكْبَر ثَلَاث مَرَّات ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 45 ) 0
سَادِسا : قَوْل ( مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ) : وَيُسْتَحَب كَذَلِك لِمَن رَأَى شَيْئا مِن نَفْسِه أَو مَالِه أَو وَلَدِه أَو أَي شَيْء فَأَعْجَبَه أَن يَقُوْل : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ، يَقُوْل تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : } وَلَوْلَا إِذ دَخَلْت جَنَّتَك قُلْت مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه إِن تُرَن أَنَا أَقَل مِنْك مَالا
وَوَلَدا ) ( الْكَف – 39 ) 0
قَال ابْن كَثِيْر وَالْبَغَوِي – رَحِمَهُمَا الْلَّه – قَال بَعْض الْسَّلَف مَن أَعْجَبَه شَيْء مِن حَالِه أَو مَالِه أَو وَلَدِه فَلْيَقُل مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه 0
وَرَوَّى هِشَام بْن عُرْوَة عَن أَبِيْه ، أَنَّه كَان إِذَا رَأَى شَيْئا يُعْجِبُه ، أَو دَخَل حَائِطا مِن حِيْطَانُه قَال : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 3 / 84 ، شَرْح الْسُّنَّة – 12 / 166 ) 0
قَال الْنَّوَوِي – رَحِمَه الْلَّه – وَيُسْتَحَب لِلْعَائِن أَن يَدْعُو لِلْمَعِين بِالْبَرَكَة فَيَقُوْل :” الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه ” ، وَأَن يَقُوْل : ” مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ” ) ( رَوْضَة الْطَّالِبِيْن – 7 / 200 )
قَالَت اللَّجْنَة الدَّائِمَة لِلْبُحُوْث الْعِلْمِيَّة وَالْإِفْتَاء : ( وَأَمَّا الْعِلَاج لِلْعَائِن فَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُه فَلْيَذْكُر الْلَّه وَلْيَبْرّك ، فَيَقُوْل : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه وَيَدْعُو لِلْشَّخْص بِالْبَرَكَة ) ( فَتَاوَى الْلَّجْنَة الْدَّائِمَة لِلْبُحُوْث الْعِلْمِيَّة وَالْإِفْتَاء – الْسُّؤَال الْثَّانِي مِن فَتْوَى رَقِم 6366 ، 1 / 365 ، 366 ) 0
سَابِعا : الاسْتِعَاذَة بِاللَّه مِن الْعَيْن : وَيُسَن كَذَلِك الِاسْتِعَاذَة بِالْلَّه مِن الْعَيَّن كَمَا ثَبَت مِن حَدِيْث عَائِشَة – رَضِي الْلَّه عَنْهَا – حَيْث قَالَت : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( اسْتَعِيْذُوَا بِالْلَّه مِن الْعَيَّن فَإِن الْعَيْن حَق ) ( صَحِيْح الْجَامِع – 938 ) 0
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه – فَلَمَّا كَان الْحَاسِد أَعْم مِن الْعَائِن ، كَانَت الِاسْتِعَاذَة مِنْه اسْتِعَاذَة مِن الْعَائِن ، وَهِي – أَي الْعَيْن – سِهَام تَخْرُج مِن نَفْس الْحَاسِد وَالْعَائِن نَحْو الْمَحْسُود وَالْمُعَيَّن تُصِيْبُه تَارَة وَتُخْطِئُه تَارَة ، فَإِن صَادَفْتُه مَكْشُوْفَا لَا وِقَايَة عَلَيْه ، أَثَّرَت فِيْه وَلَا بُد ، وَإِن صَادَفْتُه حَذِرَا شَاكِي الْسِّلاح لَا مَنْفَذ فِيْه لِلْسِّهَام ، لَم تُؤْثِر فِيْه ، وَرُبَّمَا رُدَّت الْسِّهَام عَلَى صَاحِبِهَا ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 166 ) 0
قَال الْنَّسَفِي فِي تَفْسِيْرِه لِسُوْرَة الْفَلَق : ( فَإِن الِاسْتِعَاذَة مِن شَر هَذِه الْأَشْيَاء ، بَعْد الاسْتِعَاذَة مِن شَر مَا خَلَق إِشْعَار بِأَن شَر هَؤُلَاء أَشَد وَخَتَم بِالْحَسَد لِيُعْلَم أَنَّه شَرِّهَا ) ( تَفْسِيْر الْنَّسَفِي – 4 / 430 ) 0
قَال فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن – حَفِظَه الْلَّه – وَقَد أَمَر الْلَّه بِالِاسْتِعَاذَة مِن الْعَائِن ، فَهُو دَاخِل فِي قَوْلِه تَعَالَى : ( وَمِن شَر حَاسِد إِذَا حَسَد ) ، وَبِالاسْتِعَاذَّة مِن شَرِّه يَحْصُل الْحِفْظ وَالْحِمَايَة وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 208 ) 0
قَال الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم – رَحِمَه الْلَّه – : ( أَمَر الْلَّه تَعَالَى عِبَادَه بِالِاسْتِعَاذَة مِن شَر مَا خَلَق عُمُوْما ثُم مِن شَر غَاسِق إِذَا وَقَب ، وَمِن شَر النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد وَمِن شَر حَاسِد إِذَا حَسَد ، وَكُلُّهَا – أُمُوْر مُغَيَّبَة عَنَّا وَلَا يُعِيْذ مِنْهَا إِلَا الْلَّه سُبْحَانَه ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 43 ) 0
ثَامِنا : الْمُحَافَظَة عَلَى الْذِّكْر وَالْدُّعَاء : وَمَن أَنْجَع الْوَسَائِل لِلْوِقَايَة مِن الْعَيْن قَبْل وُقُوْعِهَا وَبَعْدَه الْتَّحَصُّن بِالْأَذْكَار وَالْأَدْعِيَة 0
قَال ابْن الْقَيِّم وَمَن جَرَّب الْدَّعَوَات وَالْعُوَذ ، عَرَف مِقْدَار مَنْفَعَتِهَا ، وَشِدَّة الْحَاجَة إِلَيْهَا ، وَهِي تَمْنَع وُصُوْل أَثَر الْعَائِن ، وَتَدْفَعُه بَعْد وُصُوْلِه بِحَسَب قُوَّة إِيْمَان قَائِلُهَا ، وَقُوَّة نَفْسِه ، وَاسْتِعْدَادِه ، وَقُوَّة تَوَكُّلِه وَثَبَات قَلْبِه ، فَإِنَّهَا سِلَاح ، وَالسِّلَاح بضَارَبة ) ( زَاد الْمَعَاد – 4 / 170 ) 0
قَال مُحَمَّد بْن مُفْلِح وَيُعَالِج الْمَعِيْن مَع ذَلِك بِالُّرْقَى مِن الْكِتَاب وَالْسُّنَّة وَالْتَّعَوُّذ وَالْدُّعَاء ) ( الْآدَاب الْشَّرْعِيَّة – 3 / 60 ) 0
قَال فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن – حَفِظَه الْلَّه – إِن مِن أَسْبَاب كَثْرَة الْمُصَابِيْن بِهَذِه الْأَمْرِاض – يَعْنِي الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن وَالْحَسَد- إِعْرَاضُهُم عَن الْتَّحْصِيْن بِالْذِّكْر وَالْأَوْرَاد وَالْأَدْعِيَة الْشَّرْعِيَّة ) ( فَتْح الْمُغِيْث – ص 4 ) 0
وَكَذَلِك يُسْتَحَب الْدُّعَاء لِلْمُصَاب بِالْعَيْن بِقَوْل : ( الْلَّهُم أَذْهِب عَنْه حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا ) ، فَقَد وَرَد عَن عَبْدِالْلَّه بْن عَامِر قَال : انْطَلَق عَامِر بْن رَبِيْعَة وَسَهْل بْن حُنَيْف يُرِيْدَان الْغُسْل ، قَال : فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَان الْخَمَر ( الْخَمَر : أَي كُل مَا يَسْتُر مِن شَجَر أَو جَبَل أَو غَيْرِه ) ، قَال : فَوَضَع عَامِر جُبَّة كَانَت عَلَيْه مِن صُوْف ، فَنَظَرْت إِلَيْه – أَي إِلَى سَهْل – فَأَصَبْتُه بِعَيْنِي فَنَزَل الْمَاء يَغْتَسِل ، قَال : فَسَمِعْت لَه فِي الْمَاء قَرْقَعَة فَأَتَيْتُه فَنَادَيْتُه ثَلَاثَا فَلَم يُجِبْنِي فَأَتَيْت الْنَّبِي فَأَخْبَرْتُه ، قَال : فَجَاء يَمْشِي فَخَاض الْمَاء حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى بَيَاض سَاقَيْه ، قَال : فَضَرَب صَدْرَه بِيَدِه ثُم قَال : ( الْلَّهُم أَذْهِب عَنْه حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا – الْوَصَب : الْتَّعَب – ) قَال : فَقَام ، فَقَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن أَخِيْه أَو مِن نَفْسِه أَو مَالِه مَا يُعْجِبُه ، فَلْيُبَرِّكْه ، فَإِن الْعَيْن حَق ) ( أَخَرَجّع الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك – 3 / 411 ، 412 – 4 / 215 – وَقَال : حَدِيْث صَحِيْح الْإِسْنَاد وَلَم يُخَرِّجَاه ، وَوَافَقَه الْذَّهَبِي فِي ” الْتَّلْخِيْص ” ، وَقَال الْأَلْبَانِي حَدِيْث صَحِيْح ، أَنْظُر صَحِيْح الْجَامِع 556 ) 0
قَال الدُّكْتُوْر مُحَمَّد مَحْمُوْد عَبْدِاللّه مُدَرِّس عُلُوْم الْقُرْآَن بِالْأَزْهَر : ( وَمَن أُصِيْب بِعَيْن دُعِي لَه وَرَقِي بِقَوْلِه : ” بِسْم الْلَّه الْلَّهُم أَذْهِب حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا – ثُم يَقُوْل – قُم بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ” أَخْرَج الْحَدِيْث الْنَّسَائِي وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك ) ( إِعْجَاز الْقُرْآَن فِي عِلَاج الْسِّحْر وَالْحَسَد وَمَس الْشَّيْطَان – ص 109 ) 0
وَالْحَدِيْث صَحِيْح كَمَا بَيْن ذَلِك أَهْل الْعِلْم ، وَمِن هُنَا فَإِنَّه يُسَن لِلْمُسْلِم أَن يَدْعُو لِأَخِيْه الْمُسْلِم بِهَذَا الْدُّعَاء لِمَن ابْتُلِي بِدَاء الْعَيْن وَالْحَسَد ، وَالْخِبْرَة وَالتَّجْرِبَة تُعْضَد قَوْل الْمَعْصُوْم عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام ، عِلْمَا أَنَّه قَد ثَبَت مُعَانَاة مُعْظَم مَرْضَى الْعَيْن وَالْحَسَد مِن كَافَة الْأَعْرَاض الْمَذْكُوْرَة فِي الْحَدِيْث كَشُعُور الْمَرِيْض بِالْتَّعَب وَالْنَّصْب وَالْحَرَارَة وَالْبُرُوْدَة ، وَالْدُّعَاء بِهَذِه الْكَيْفِيَّة فِيْه تَوَجُّه إِلَى الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى لِإِزَالَة كَافَّة هَذِه الْأَعْرَاض وَشِفَاء الْمَرِيْض بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى وَالْلَّه أَعْلَم 0
تَاسِعا : اسْتِخْدَام الْمِدَاد الْمُبَاح : وَمَن الْأُمُور الْمُجَرَّبَة وَالْنَّافِعَة لِعِلاج الْعَيْن اسْتِخْدَام الْمِدَاد الْمُبَاح بِالْزَّعْفَرَان وَنَحْوِه ، كَمَا أَشَار لِذَلِك جَمَاعَة مِن الْسَّلَف 0
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه – وَرَأَى جَمَاعَة مِن الْسَّلَف أَن تُكْتَب لَه – لِلْعَيْن – الْآَيَات مِن الْقُرْآَن ، ثُم يَشْرَبُهَا 0 قَال مُجَاهِد : لَا بَأْس أَن يَكْتُب الْقُرْآَن ، وَيَغْسِلُه ، وَيَسْقِيْه الْمَرِيْض ، وَمُثُلِه عَن أَبِي قِلَابَة 0 وَيُذْكَر عَن ابْن عَبَّاس : أَنَّه أَمَر أَن يُكْتَب لِامْرَأَة تَعَسَّر عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا أَثَر
مِن الْقُرْآَن ، ثُم يَغْسِل وَتُسْقَى 0 وَقَال أَيُّوْب : رَأَيْت أَبَا قِلَابَة كُتِب كِتَابا مِّن الْقُرْآَن ، ثُم غَسَلَه بِمَاء ، وَسَقَاه رَجُلا كَان بِه وَجَع ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 170 ، 171 ) 0
عَاشِرا : الِاحْتِرَاز بِسِتْر مَحَاسِن مَن يَخَاف عَلَيْه مِن الْعَيْن :
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه – وَمِن عِلَاج ذَلِك أَيْضا وَالِاحْتِرَاز مِنْه سَتْر مَحَاسِن مَن يُخَاف عَلَيْه الْعَيْن بِمَا يَرُدّهَا عَنْه ، كَمَا ذَكَر الْبَغَوِي فِي كِتَاب ” شَرْح الْسُّنَّة “: أَن عُثْمَان – رَضِي الْلَّه عَنْه – رَأَى صَبِيا مَلِيْحا ، فَقَال : دَسِّمُوا نُوَنَتَه ، لِئَلَّا تُصِيْبُه الْعَيْن ، ثُم قَال فِي تَفْسِيْرِه : وَمَعْنَى : دَسِّمُوا نُوَنَتَه : أَي : سَوّدُوا نُوَنَتَه ، وَالْنُّوْنَة : الْنُّقْرَة الَّتِي تَكُوْن فِي ذَقَن الْصَّبِي الْصَّغِيْر ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 173 ) 0
قَال الْإِمَام مُسْلِم قَال الْقَاضِي عِيَاض بَعْد ذِكْر حَدِيْث حَسَد عَامِر بْن رَبِّيَعَه لِسَّهْل بْن حُنَيْف : فِي هَذَا الْحَدِيْث مِن الْفِقْه مَا قَالَه بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّه يَنْبَغِي إِذا عَرَف أَحَد بِالْإِصَابَة بِالْعَيْن أَن يُجْتَنَب وَيُتَحَرَّز مِنْه ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَام مَنْعِه مِن مُدَاخَلَة الْنَّاس0 وَيَأْمُرُه بِلُزُوْم بَيْتِه فَإِن كَان فَقِيْرا رِزْقَه مَا يَكْفِيْه ، وَيَكُف أَذَاه عَن الْنَّاس ) ( صَحِيّج مُسْلِم بِشَرْح الْنَّوَوِي ) 0
قَال مُحَمَّد بْن مُفْلِح وَلْيَحْتَرِز الْحَسَن مِن الْعَيَّن وَالْحَسَد بِتَوُحَيش حُسْنَه ) ( الْآدَاب الْشَّرْعِيَّة – 3 / 60 ) 0
سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن عَن الْمُبَالَغَة فِي الْخَوْف مِن الْإِصَابَة بِالْعَيْن ، وَمَنَع الْأَطْفَال مِن مُخَالَطَة الْنَّاس خُوِّفَا عَلَيْهِم مِّن الْعَيْن ؟
فَأَجَاب – حَفِظَه الْلَّه – : ( لَا تُعْتَبَر وَإِنَّمَا هِي مِن تَجَنُّب أَسْبَاب الْشُّرُوْر وَالْأَضْرَار ، وَقَد وَرَد مَا يَدُل عَلَى الْجَوَاز فِي صَبِي جَمِيْل أُمِرُوَا أَن يُغَيِّرُوْا صَوَّرْتُه خَوْف الْعَيْن ، كَمَا سَبَق الْأَثَر عَن عُثْمَان فِي قَوْلِه ” دَسِّمُوا نُوَنَتَه ” أَي سَوِّدُوهَا ، وَهِي الْنُّقْرَة فِي أَسْفَل الْوَجْه ، وَذَلِك سَبَب مِمَّا شَرَعَه الْلَّه ، فَقَد قَال تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِيْن ءَامَنُوا خُذُوْا حِذْرَكُم ) ( الْنِّسَاء – الْآَيَة 71 ) وَهُو يَعُم الْحَذِر مِن كُل مَا فِيْه ضَرَر عَلَى الْنَّفْس أَو الْمَال ، وَقَال تَعَالَى : ( وَخُذُوَا حِذْرَكُم ) ( الْنِّسَاء – الْآَيَة 102 ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – 218 ، 219 ) 0
قَال فَضِيْلَة الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح الْعُثَيْمِيْن – حَفِظَه الْلَّه – وَالْتَّحَرُّز مِن الْعَيَّن مُقَدَّمَا لَا بَأْس بِه وَلَا يُنَافِي التَّوَكُّل بَل هُو التَّوَكُّل لِأَن التَّوَكُّل الْاعْتِمَاد عَلَى الْلَّه سُبْحَانَه مَع فِعْل الْأَسْبَاب الَّتِي أَبَاحَهَا أَو أَمْر بِهَا وَقَد كَان الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُعَوِّذ الْحَسَن وَالْحُسَيْن وَيَقُوْل :” أُعِيْذُكُمَا بِكَلِمَات الْلَّه الْتَّامَّة مِن كُل شَيْطَان وَهَامَّة وَمِن كُل عَيْن لَامَّة وَيَقُوْل : هَكَذَا كَان إِبْرَاهِيْم يُعَوِّذ اسْحَق وَاسْمَاعِيْل عَلَيْهِمَا الْسَّلام ” ) ( أَخْرَجَه الْإِمَام الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه – بِرَقْم 3371 ) ( فَتَاوَى الْعِلَاج بِالْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 41 ، 42 ) 0
حَادِي عَشَر : الْإِحْسَان إِلَى مَن عَرَف الْإِصَابَة بِالْعَيْن : وَهَذَا مِمَّا يُطْفِئ نَار الْحَسَد فِي قَلْب الْحَاسِد 0
قَال الْدُّكْتُوْر عَبْدِاللّه الطَّيَّار وَالْشَّيْخ سَامِي الْمُبَارَك بِتقَرِيض سَمَاحَة الْعَلَامَة الْشَّيْخ عَبْدُالْعَزِيْز بِن عَبْدِاللّه بْن بَاز – رَحِمَه الْلَّه – : ( الْإِحْسَان إِلَى مَن عَرَفْت أَصَابَتْه بِالْعَيْن كَإِحْسَان الْغَنِي إِلَى الْفَقِيْر الْمُسْتَشْرِف لَمَّا فِي يَد الْغَنِي ) ( فَتَح الْحَق الْمُبِيْن فِي عِلَاج الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن – ص 192 ) 0
ثَانِي عَشَر : الْصَّبُر عَلَى الْعَائِن وَعَدَم الْتَّعَرُّض لَه :
قَال الْدُّكْتُوْر عَبْدِاللّه الطَّيَّار وَالْشَّيْخ سَامِي الْمُبَارَك بِتقَرِيض سَمَاحَة الْعَلَامَة الْشَّيْخ عَبْدُالْعَزِيْز بِن عَبْدِاللّه بْن بَاز – رَحِمَه الْلَّه – : ( الْصَّبُر عَلَى الْعَائِن وَعَدَم الْتَّعَرُّض لَه أَو إِيْذَائِه لِقَوْلِه تَعَالَى : ( وَمَن عَاقَب بِمِثْل مَا عُوْقِب بِه ثُم بُغِى عَلَيْه لَيَنْصُرَنَّه الْلَّه ) ( الْحَج – الْآَيَة 60 ) ( فَتَح الْحَق الْمُبِيْن فِي عِلَاج الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن – ص 192 ) 0
ثَالِث عَشَر : الْمُحَافَظَة عَلَى قَضَاء الْحَوَائِج بِالْسِّر وَالْكِتْمَان : وَيُسْتَحَب كَذَلِك اتِّقَاء شَر الْعَيْن وَالْحَسَد بِالْمُحَافَظَة عَلَى الِسِّر فِي قَضَاء الْحَوَائِج ، لِمَا ثَبَت مِن حَدِيْث مُعَاذ بْن جَبَل – رَضِي الْلَّه عَنْه- عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَنَّه قَال : ( اسْتَعِيْنُوْا عَلَى إِنْجَاح الْحَوَائِج بِالْكِتْمَان ، فَإِن كُل ذِي نِعْمَة مَحْسُود ) ( صَحِيْح الْجَامِع – 943 ) 0
رَابِع عَشَر : الاحْتِرَاز مِن الْعَائِن وَاجْتِنَابَه وَالْبُعْد عَنْه وَحَبَسَه مِن قَبْل الْإِمَام : وَمَن الْأُمُور الْهَامَّة وَالْنَّافِعَة لِاتِّقَاء شَر الْعَائِن أَو الْحَاسِد اجْتِنَابَه وَالْبُعْد عَنْه ، وَحَبَسَه مِن قَبْل وُلَاة الْأَمْر 0
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه – وَقَد قَال أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُم مِن الْفُقَهَاء : أَن مَن عَرَف بِذَلِك حَبَسَه الْإِمَام وَأَجْرَى لَه مَا يُنْفِق عَلَيْه إِلَى الْمَوْت وَهَذَا هُو الْصَّوَاب قِطْعَا ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 168 ) 0
قَال الْعَيْنِي وَقَال الْقَاضِي عِيَاض : قَال بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي إِذا عُرْف وَاحِد بِالْإِصَابَة بِالْعَيْن أَن يُجْتَنَب وَأَن يَحْتَرِز مِنْه وَيَنْبَغِي لِلْإِمَام مَنْعِه مِن مُدَاخَلَة الْنَّاس ، وَيَلْزَمُه بِلُزُوْم بَيْتِه ، وَإِن كَان فَقِيْرا لَزِمَه مَا يَكْفِيْه فَضَرَرُه أَكْثَر مَن آَكُل الْثُّوْم وَالْبَصَل الَّذِي مَنَعَه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِن دُخُوْل الْمَسْجِد لِئَلَّا يُؤْذِي الْنَّاس وَمِن ضَرَر الْمَجْذُوْم الَّذِي مَنَعَه عُمَر-رَضِي الْلَّه تَعَالَى عَنْه- ) ( عُمْدَة الْقَارِي بِشَرْح صَحِيْح الْبُخَارِي – 17 / 405 ) 0
خَامِس عَشَر : الْأُمُور الْحِسِّيَّة الثَّابِتَة بِالتَّجْرِبَة : يُعَمِّد الْبَعْض بِالْسُّؤَال عَن بَعْض الْأُمُور الْمُتَعَارَف عَلَيْهَا وَالْمُتَدَاوّل اسْتِخْدَامُهَا بَيْن الْنَّاس فِي عِلَاج الْعَيْن وَالْحَسَد ، وَقَد تَكُوْن تِلْك الْأُمُور مِن الْأَسَالِيْب وَالْعَادَات الْمُتَوَارَثَة عَن الْآَبَاء وَالْأَجْدَاد ، وَيُفْضِي اسْتِخْدَام بَعْضُهَا فِي عِلَاج الْعَيْن إِلَى مَحَاذِيْر شَرْعِيَّة ، وَالْوُقُوْع فِي الْمُحْرِم ، وَسَوْف أَقْتَصِر الْبَحْث بِذِكْر الْأُمُوْر الْجَائِز اسْتِخْدَامُهَا فِي هَذَا الْمَجَال ، وَأَمَّا الْأُمُوْر الْأُخْرَى الَّتِي لَا يَجُوْز فِعْلُهَا بِسَبَب تَأْثِيْرُهَا وَخُطُوْرَتِهَا عَلَى الْعَقِيْدَة وَالْدِّيْن ، فَسَوْف أَفْرِد لَهَا مَوْضُوعَا مُسْتَقِلّا فِي الْمُسْتَقْبَل بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0
وَبِالْعُمُوْم فَقَد ذَكَر الْعُلَمَاء الْأَجِلَّاء شُرُوْط الْأَخْذ بِالْأَسْبَاب ، وَقَد لَخَص ذَلِك الدُّكْتُوْر فَهِد بْن ضَّوْيَان الْسُّحَيْمِي – حَفِظَه الْلَّه – عُضْو هَيْئَة الْتَّدْرِيس بِالْجَامِعَة الْإِسْلَامِيَّة بِالْمْدِيَنَة الْنَّبَوِيَّة ، حَيْث قَال :
( وَلَقَد فَصَل الْعُلَمَاء الْقَوْل فِي شُرُوْط الْأَخْذ بِالْأَسْبَاب ، وَيُمْكِن إِيُجَازِهَا فِيْمَا يَلِي :-
1- أَن يَكُوْن الْسَّبَب مِمَّا ثَبَت أَنَّه سَبَب : شَرْعا : لِأَن هُنَاك مَن الْأَسْبَاب مَا هُو مُحَرَّم ، وَكُل سَبَب لَم يَأْذَن بِه الْلَّه وَلَا رَسُوْلُه فَهُو بَاطِل 0
وَقَدْرَا : بِأَن يَعْرِف أَن هَذَا مِن الْأَسْبَاب الْمَعْهُوْدَة الَّتِي يَحْصُل بِهَا الْمَقْصُوْد – كَالأَدْوّيّة الْمُجَرَّبَة الْنَّافِعَة الْمَعْرُوْف مَنْفَعَتِهَا وكَحُصُوّل الْشِّبَع عِنْد الْأَكْل وَالْرِّي عِنْد الْشُّرْب 0
2- أَن لَا يُعْتَمَد عَلَى الْسَّبَب بِذَاتِه بَل يَعْتَمِد عَلَى خَالِقَه وَمُسَبِّبَه ، لِأَنَّه قَد يَتَخَلَّف عَنْه مَع قِيَام الْسَّبَب إِذ الْضَّار وَالْنَّافِع وَالْمُعْطِي وَالْمَانِع هُو الْلَّه وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه 0
وَالْحِكْمَة فِي تُخْلِف الْمُسَبِّب عَنْه مَع قِيَام الْسَّبَب هِي :-
أ – عَدَم الْاعْتِمَاد عَلَى الْأَسْبَاب فَتَلْتَفت الْقُلُوْب عَن الْلَّه فَتَتَعَلَّق بِهَذَا الْسَّبَب 0
ب – عِلْم كَمَال قُدْرَة الْلَّه وَأَن لَه الْتَّصَرُّف الْمُطْلَق وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه 0
3- أَن يَعْلَم أَنَّه مَهْمَا عَظَمَت وَقَوِيَت تِلْك الْأَسْبَاب فَانَّهَا مُرْتَبِطَة بِقَدَر الْلَّه لَا خُرُوْج لَهَا عَنْه فَلَا يُعْتَمَد عَلَيْهَا ) ( أَحْكَام الْرُّقَى وَالَّتكائِم – ص 13 ، 14 ) 0
وَيُعَقِّب الدُّكْتُوْر الْفَاضِل بِكَلَام جَمِيْل بَعْد أَن أَوْرَد تِلْك الْشُّرُوْط ، حَيْث قَال لَيْس كُل سَبَب حَصَل بِه الْمَقْصُوْد وَنَيْل بِه الْطَّلَب يَجُوْز الْأَخْذ بِه بَل لَا بُد فِي ذَلِك مِن الْنَّظَر إِلَيْه مِن الْجِهَة الْشَّرْعِيَّة فَمَا أَجَاز لَنَا الْشَّرْع الْأَخْذ بِه مِن الْأَسْبَاب أَخَذْنَا بِه مَع عَدَم الْاعْتِمَاد عَلَيْه بَل يَكُوْن الْاعْتِمَاد عَلَى خَالِقَه وَمُسَبِّبَه وَأَن هَذِه الْأَسْبَاب مُرْتَبِطَة بِقَدَر الْلَّه عَز وَجَل 0 وَمَا مَنَعَنَا مِنْه الْشَّرْع فَالْوَاجِب عَلَيْنَا الِامْتِنَاع عَنْه وَلَو وُجِدَت فِيْه بَعْض الْمَصْلَحَة لِأَن ضَرَرَه رَاجِح عَلَى مَنْفَعَتِه 0 وَالْلَّه أَعْلَم ) ( أَحْكَام الْرُّقَى وَالَّتكائِم – ص 17 ) 0
قُلْت : وَالَّذِي أَرَاه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْجَوَاز لِاعْتِمَاد نَص صَرِيْح فِي هَذَا الْبَاب وَالْقِيَاس عَلَيْه ، خَاصَّة أَن فَعْل ذَلِك دُوْن الاعْتِقَاد فِيْه يُؤَدَّى لِنَتَائِج ايجَابِيّة طَيِّبَة وَمَحْمَّوَدّة بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَيَنْدَرِج تَحْت هَذَا الْحُكْم أُمُوْر أُخْرَى تَتَعَلَّق بِطَرِيْقَة عَلَاج الْعَيْن بِشَكْل عَام كُنْفُث الْعَائِن عَلَى الْمَعِين أَو تَبْرِيْكَه وَنَحْو ذَلِك ، مَع الْتَّنْبِيْه لِأَمْر هَام جَدَّا يَتَعَلَّق بِهَذِه الْمَسْأَلَة وَهُو أَن اسْتِخْدَام تِلْك الْكَيْفِيَّات وَعَلَى هَذَا الْنَّحْو يَرْقَى لِكَي يُصْبِح سَبَبَا حَسِيّا لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَهَذَا مَا قَرَّرْتُه الْخِبْرَة وَّالْتَّجْرِبَة لَدَى كَثِيْر مِن الْمُعَالِجِيْن أَصْحَاب الْمَنْهَج الْإِسْلَامِي الْصَّحِيْح ، مَع تَدْوِيْن بَعْض الْنِّقَاط الْهَامَّة ، وَهِي عَلَى الْنَّحْو الْتَّالِي :-
أ)- الْأُوْلَى الْاعْتِمَاد عَلَى الْطَّرِيْقَة الْوَارِدَة فِي حَادِثَة سَهْل ابْن حُنَيْف ، وَالَّتِي تَنُص عَلَى أَخْذ غَسَل الْعَائِن وَصَبَّه عَلَى الْمَعِين كَمَا بَيَّنَهَا الْعُلَمَاء الْأَجِلَّاء 0
ب)- يَلْجَأ لِاسْتِخْدَام الْطُّرُق الْمُدَوَّنَة لَاحِقَا خَوْفا مِن حُصُوْل مَفْسَدَة شَرْعِيَّة أَعْم مِن الْمَصْلَحَة الْمُتَرَتِّبَة ، وَمِثَال ذَلِك أَن يُؤَدِّي طَلَب الْغَسْل مِن الْعَائِن إِلَى الْقَطِيْعَة وَالْتَّنَافُر ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى مَفْسَدَة شَرْعِيَّة عَظِيْمَة أَعْم مِن الْمَصْلَحَة الْمُتَرَتِّبَة 0
ج)- يُتِم اللُّجُوء لِبَعْض الْطُّرُق الْمُدَوَّنَة خَاصَّة أَخَذ آَثَار عَتَبَات الْأَبْوَاب وَالْأَقْفَال فِي حَالَة صُعُوْبَة مَعْرِفَة الْعَائِن أَو الْحَاسِد لِسَبَب أَو لَآَخَر 0
وَفِيْمَا يَلِي بَعْض الْطُّرُق الْحِسِّيَّة الْمُبَاحَة وَالْمَشْرَوعَة لِعِلاج الْعَيْن وَالْحَسَد :
1)- اسْتِخْدَام آَثَار الْمَرِيْض الْدَّاخِلِيَّة أَو الْخَارِجِيَّة وَوَضَعَهَا بِالْمَاء وَرَشَّه بَعُد ذَلِك عَلَى الْمَعِين : وَقَد أَفْتَى بِجَوَاز ذَلِك فَضِيْلَة الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح الْعُثَيْمِيْن -حَفِظَه الْلَّه- حَيْث يَقُوْل وَهُنَاك طَرِيْقَة أُخْرَى – لِعِلاج الْعَيْن – وَلَا مَانِع مِنْهَا أَيْضا ، وَهِي أَن يُؤْخَذ شَيْء مِن شِعَارُه أَي : مَا يَلِي جِسْمِه مِن الثِّيَاب كَالْثَّوْب ، وَالطَاقِيّة وَالَسِّرْوَال وَغَيْرِهَا ، أَو الْتُّرَاب إِذَا مَشَى عَلَيْه وَهُو رَطْب ، وَيُصَب عَلَى ذَلِك مَاء يُرَش بِه الْمُصَاب ، أَو يَشْرَبَه 0 وَهُو مُجَرَّب ) ( الْقَوْل الْمُفِيِد عَلَى كِتَاب الْتَّوْحِيْد – 1 / 94 ) 0
وَيَقُوْل فِي مَوْضِع آَخَر وَقَد جَرَت الْعَادَة عِنْدَنَا أَنَّهُم يَأْخُذُوْن مِن الْعَائِن مَا يُبَاشِر جِسْمِه مِن الْلِّبَاس مِثْل الْطَاقِيَة وَمَا أَشْبَه ذَلِك ويْرَبصُونَهَا بِالْمَاء ثُم يُسْقَوْنَهَا الْمُصَاب وَرَأَيْنَا ذَلِك يُفِيْدُه حَسْبَمَا تَوَاتَر عِنْدَنَا مِن الْنُّقُول ) ( فَتَاوَى الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح الْعُثَيْمِيْن – 1 / 196 ) 0
2)- اسْتِخْدَام أَثَر الْعَائِن عَلَى أَي صِفَة كَانَت كَالْمَاء وَالْقَهْوَة وَالْنَّوَى : وَقَد أَجَاز بَعْض الْعُلَمَاء حَفِظَهُم الْلَّه اسْتِخْدَام هَذِه الْطَّرِيْقَة دُوْن الاعْتِقَاد بِهَا ، وَاعْتِبَار ذَلِك مِن قَبِيْل الْأَسْبَاب الْحِسِّيَّة الْدَّاعِيَة لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَقَد أَثْبَتَت الْتَّجْرِبَة وَالْخِبْرَة نَفْعُه وَفَائِدَتُه 0
سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن عَن أَخْذ بَعْض الْأَثَر الْمُتَبَقِّي مِن بَعْض الْنَّاس الَّذِيْن يَشُك بِأَنَّهُم أَصَابُوا شَخْص مَا بِالْعَيْن ، كَأَخْذ الْمُتَبَقِّي فِي الْكَأْس مِن مَاء أَو شَرَاب ، أَو فَضَلَات الْأَكْل ، وَهَل هَذَا صَحِيْح مُعْتَمَد ؟
فَأَجَاب – حَفِظَه الْلَّه – : ( نَعَم كُل ذَلِك صَحِيْح وَنَافِع بِالتَّجْرِبَة ، وَكَذَا غَسْل ثَوْبِه الَّذِي يُلْاصِق بَدَنِه أَو يُعَرِّق فِيْه ، أَو غُسِل رِجْلَيْه أَو يَدَيْه لِعُمُوْم ” وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُم فَاغْسِلُوا ” ( أَخْرَجَه الْإِمَام مُسْلِم فِي صَحِيْحِه – بِرَقْم 2188 ) ، فَهُو يَعُم غَسَل الْبَدَن كُلِّه ، أَو غَسَل بَعْض الْبَدَن ، وَحَيْث جَرَّب أَن أَخَذ شَيْء مِن أَثْرِه يُفِيْد ، فَإِن ذَلِك جَائِز كَغُسْل نَعْلَه الَّذِي يَلْبَسُه ، أَو جَوْرَبَه الَّذِي يُبَاشِر جِلْدِه ، لِأَمْرِه فِي الْحَدِيْث بِغَسْل دَاخِلَه إِزَارَه ، أَي الَّذِي يَلِي جَسَدَه ، وَكَذَا مَا مَسَّت يَدَاه مِن عَصَى أَو قُفَّاز ، وَكَذَا فَضْل وَضُوْئِه الَّذِي اغْتَرَف مِنْه ، أَو مَا لَفْظُه مِن الْنَّوَى ، أَو تَعَرَّق مِن عَظْم أَو نَحْو ذَلِك ، وَهَذَا بِحَسَب الْتَّجْرِبَة ، وَقَد يُصِيْب بِإِذْن الْلَّه ، وَقَد يَسْتَعْصِي ذَلِك بِحَسَب قُوَّة نَفْس الْعَائِن وَضَعْفِهَا ، وَلَكِن بَعْض الْنَّاس يَتَوَهَّم كُل إِصَابَة وَكُل مَرَض حَصَل لَه فَهُو مِن الْعَيْن ، وَيُتَّهَم مَن لَا يُتَّهَم ، وَيَأْخُذ مِن فَضَلَاتِه فَلَا يَرَى تَأثّرا ، وَذَلِك مِمَّا لَا أَصْل لَه ، وَالْوَاجِب أَن يُعْتَقَد أَن الْأَمْرَاض كُلّهَا بِقَدَر الْلَّه تَعَالَى ، وَأَن كَثِيْرَا مِن الْأَمْرِاض تَحْصُل بِدُوْن سَبَب ، وَأَن عِلَاجِهَا بِمَا يُنَاسِبُهَا مِن الْعِلَاج الْمُبَاح ، وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 235 ، 236 )
03)- اسْتِخْدَام آَثَار عَتَبَات الْأَبْوَاب أَو أَقْفَالُهَا وَنَحْوِه وَوَضَعَهَا بِالْمَاء وَالِاسْتِحَمَام بِهَا لِإِزَالَة أَثَر الْعَيْن :
سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن عَن جَوَاز اسْتِخْدَام آَثَار عَتَبَات الْأَبْوَاب وَالْأَقْفَال وَذَلِك عَن طَرِيْق مَسَح الْمَكَان وَوُضِع ذَلِك فِي الْمَاء وَاغْتِسَال الْمَعِيْن مِنْه ، عِلْمَا أَنَّه قَد ثَبَت نَفَع ذَلِك مَع كَثِيْر مِن الْحَالِات ، وَاعْتِبَار مِثْل ذَلِك الِاسْتِخْدَام سَبَبَا حَسِيّا لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ؟
فَأَجَاب – حَفِظَه الْلَّه – : ( قَد عَرَف بِالتَّجْرِبَة أَن غَسَل كُل مَا مَسَّه الْعَائِن ثُم شَرِب الْمَعِيْن مِن غُسَالَتُه أَو صَبَّه عَلَيْه يَكُوْن سَبَبا فِي الْشِّفَاء مِن تِلْك الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَحَيْث أَن الْعَائِن يَمَس قُفْل الْبَاب أَو مَفْتَح الْسَّيَّارَة وَقَد يَطَأ حَافِيّا عَلَى عَتَبَة الْبَاب أَو يَمَس الْعَصَا أَو الْمِظَلَّة أَو الْفِنْجَان لِلْقَهْوَة أَو الْشَاي ، أَو يَأْكُل مِن الْتَّمْر وَيَلْفِظ الْنَّوَى بَعْد أَن يَمُصَّه بِفَمِه ، فَإِن غَسْل هَذِه كُلَّهَا مِمَّا جَرَّب وَحُصِّل مَعَه زَوَال أَثَر الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه قِيَاسا عَلَى أَمْرِه بِالِاغْتِسَال كَمَا فِي الْحَدِيْث الْصَّحِيْح ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 237 ) 0
قَصَص وَاقِعِيَّة : الْقِصَّة الْأُوْلَى : اتَّصَل أَحَد الْزُّمَلاء يَشْكُو لِي مُعَانَاة زَوْجَتِه ، حَيْث قَال : قَبْل أَيَّام رُزِقْنَا الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى بِمَوْلُوَدّة مَوْفُوْرَة الْصِحَّة وَالْعَافِيَة ، وَقَد سُعِدْنا كَثِيْرا بِهَا وَلِلّه الْحَمْد وَالْمِنَّة ، وَبَعْد أَيَّام حَضَر بَعْض الْنِّسْوَة لِتَهْنِئِة زَوْجَتَي بِالْمَوْلُوَدّة الْجَدِيْدَة ، وَبَعْد خُرُوْجُهُن ، أَخَذَت الْطِّفْلَة بِالْبُكَاء الْشَّدِيْد وَلَم تَعُد تَتَقَبَّل الرَّضَاعَة مِن الْأُم ، وَكَذَلِك أَحَسَّت زَوْجَتَي بِإِرْهَاق وَتَعَب شَدِيْد وَأَخَذْت تَبْكِي وَتَصَيَّح عَلَى نَحْو غَيْر مَأْلُوْف ، وُفُوْر سَمَاعِي بِذَلِك عُرْضَتُهَا وَالْطِّفْلَة عَلَى طَبِيْبَة مُتَخَصِّصَة وَلَكِن دُوْن جَدْوَى ، وَتَم رَقَيْتِهَا بِالْرُقْيَة الْشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة فِي الْكِتَاب وَالْسُّنَّة ، وَقَد تَّبَيَّن إِصَابَتِهَا بِالْعَيْن مِن خِلَال الْأَعْرَاض الَّتِي اتَّضَحَت بَعْد الْقِرَاءَة وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم ، وَقَد أَشَرْت عَلَى هَذَا الْأَخ الْفَاضِل الْقِيَام بِمِسْح الْعَتَبَة وَالْأَقْفَال الْخَاصَّة بِبَوَّابِة مُدْخَل الْنِّسَاء بِقِطْعَة مِن الْقُمَاش وَوَضَعَهَا فِي مَاء ، وَمَن ثُم قِيَام الْزَّوْجَة بِمِسْح كَافَة أَنْحَاء الْجِسْم مِن هَذَا الْمَاء ، وَكَان الْمُفْتَرَض أَن تَقُوْم الْمَرْأَة بِالِاغْتِسَال مِن هَذَا الْمَاء ، وَاسْتَعِيض عَن ذَلِك بِالأُسْلُوب آَنَف الْذِّكْر نَتِيْجَة الْوِلادَة الْقَيْصَرِيَّة ، حَيْث أَن الِاغْتِسَال قَد يُؤَدِّي لِتَعَرُّض الْجُرْح لمُضَاعَفَات خَطِيْرَة ، بَعْد ذَلِك مِن الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى عَلَى هَذِه الْأُخْت الْفَاضِلَة بِالْشِّفَاء ، وَعَادَت الْأُمُوْر إِلَى سَابِق عَهْدِهَا ، وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم 0
الْقِصَّة الْثَّانِيَة : وَهَذِه الْقِصَّة رَوَاهَا لِي أَحَد الْزُّمَلاء فِي الْعَمَل ، حَيْث يَقُوْل : كَانَت زَوْجَتِي فِي زِيَارَة لِأَهْلِهَا ، وَقَام بِزِيَارَتِهَا بَعْض الْنِّسْوَة مِمَّن تُجَاوِزَن الْعُقَد الْثَّالِث مِن الْعُمْر ، يَقُوْل الْأَخ الْفَاضِل : وَبَعْد انْصِرافِهُن ، لَا أَدْرِي مَاذَا حَصَل لِزَوْجَتِي ، أَصْبَحَت تَبْكِي بُكَاء شَدِيْدا نَتِيْجَة المُعَانَاة وَالْأَلَم ، وَمَن فَوْرِي عُرْضَتُهَا عَلَى طَبِيْبَة مُتَخَصِّصَة وَبَعْد إِجْرَاء كَافَّة الْفُحُوصَات الْطَّبِّيَّة تَبَيَّن أَنَّهَا لَا تُعَانِي مِن أَيَّة أَمْرَاض عُضْوِيَّة ، فَاحْتَرْت فِي أَمْرِي ، وَتَذَكَّرْت قِصَّة سَمِعْتُهَا عَن وَالِدَتِي رِوَايَة عَن إِحْدَى قَرِيْبَاتِي تَقُوْل فِيْهَا :
ذَات يَوْم ذَهَب طِفْلِي الْبَالِغ مِن الْعُمْر سَبْع سَنَوَات لِشِرَاء بَعْض الْحَلْوَى ، وَكَان الْطِّفْل وَسِيْما نَظِيْفَا مُرَتَّب الْهَيْئَة وَالْمُظْهِر ، فَرَآَه فِي مَرْكَز التَّسْوِيْق رَجُل فَمَسَح عَلَى رَأْسِه وداعِبِه وَقَبَّلَه ، وَعَاد الْطِفْل إِلَى الْبَيْت يَبْكِي ، وَيَتَزَمَّل الْفِرَاش وَقَد ظَهَرَت عَلَى جَسَدِه حُبُوْب وَبُقَع حَمْرَاء ، وَكَان يَرْتَجِف ، فَهَدَأَت مِن رَوْعِه ، وَسَأَلْتُه عَن سَبَب بُكَائِه ، امْتَنَع فِي بَادِئ الْأَمْر عَن الْكَلَام ، وَبَعْد اسْتِخْدَام أُسْلُوْب الْمُدَاعَبَة وَالْلُّطْف وَالَلِّيْن أَخْبَرَنِي بِالْأَمْر ، فَمَا كَان مِنِّي إِلَا أَن تَوَجَّهْت فَوْرَا إِلَى ذَلِك الْمَرْكَز ، وَقُمْت بِمِسْح عُتْبَة الْمَدْخَل بِقِطْعَة مِن قُمَاش ، وَعَدْت مِن فَوْرِي لِلْمَنْزِل ، وَوُضِعَت تِلْك الْقِطْعَة بِالْمَاء ، وَقُمْت بِرَشِّها عَلَى وَلَدِي ، وَسُبْحَان الْلَّه فَك كَأَنَّه مِن عِقَال 0
يَقُوْل الْأَخ الْكَرِيْم : وَمَن فَوْرِي ذَهَبَت لِلْمَنْزِل الَّذِي يَقْطُنُه هَؤُلَاء الْنِّسْوَة ، وَقُمْت بِمِسْح عُتْبَة الْبَاب بِقِطْعَة مِن قُمَاش ، وَعَدْت وَوُضِعَت الْقِطْعَة بِالْمَاء ، وَقُمْت بُرْشِه عَلَى جَسَد زَوْجَتَي ، وَانْتَهَى كُل شَيْء وَلِلَّه الْحَمْد وَالْمِنَّة ، وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم